ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم : كثرة رياضة نفوسهم حتى يصير أحدهم ينظر الذي عليه ببادئ الرأي دون الذي له ، فإذا سمع نحو قوله تعالى
(( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ))
يرى نفسه جاهلاً ، ويرى جميع أقرانه علماء ببادئ الرأي ، وأنه لا يستوي مع واحد منهم ، ولا يقاربه في مقام ولا حال ؛ عكس ما يتبادر إلى الذهن ؛ لا سيما ذهن من لم يجاهد نفسه ،
فاعلم ذلك واعمل عليه تجد فيه راحة عظيمة ،
والحمد لله رب العالمين .
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم : كثرةُ عمَلهم على رقة الحجاب حتى يروا كل شيء في الوجود حياً ويعاملونه معاملة الأحياء ، فلذلك كانوا لا يجدُ أحدهم له خلوة يعصي الله بها أبدا ؛ لأنه يرى كل شيء ناظراً إليه بعينيه يستحي منه ويصير يعطيه حقه من الأدب ،وذلك لأن كل أحدٍ يعلم أن المكان الذي عصى الله تعالى فيه ، لا بد أن يشهد عليه بين يدي الله يوم القيامة ، فإذا عصى في محل فقد عرّضه لوجوب الشهادة عليه ، ولو ذكر أحدُهم كلاما قبيحا يكاد أن يذوب من شدّة الحياء ،
ويود أن الأرض ابتلع تهولا كان يلفظ بذلك ، وهذا خُلُق غريب ،
والحمد لله رب العالمين .
ومن أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم :أنهم لا يطلبون من الله تعالى إجابة دعائهم في حق أنفسهم ، أو في حق أحدٍ من الخلق ، إلا إن كان أحدُهم مستقيم القلب مع الله تعالى الاستقامة الممكنة في حقه بحيث لا يصير له سريرة يفتضح بها في أحد الدارين ، أو فيهما ليأتي للإجابة من بابها .
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى يقول : من أراد أن لا يرد له دعاء فليكن على قدم الملائكة عليم الصلاة والسلام في عدم العصيان .
وقد كان أبو نجيح رحمه الله تعالى يقول : لو أن المؤمن لا يعصِ ربه عز وجل لكان إذا أقسم على الله تعالى أن ينزل له الجبل لأجابه .
وكان خالد الربعي رحمه الله تعالى يقول : كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى جالسا في ظل الكعبة يوما ، فقام إليه رجلٌ وقال : يا أبا إسحاق ما علامة المستقيم ؛ فقال : علامته ، وأومأ إلى جبل أبي قبيس أن زل عن مكانك - لأزاله الله تعالى له ، قال : فعند ذلك تحرك أبو قبيس للإزالة ، فأومأ إليه إبراهيم أن قف ؛ فإنه لم أعنكَ بهذا ؛ فوقف
وقد بلغنا عن الجنيد رحمه الله تعالى أنه كان يقول : شهد شخص على الوليد زورا ،
فقال الوليد : اللهم إن كان كاذبا عليّ فأمته الساعة ، قال : فانكب الرجل على وجهه
ولا زال يضطرب حتى مات في الوقت .
وكان الأعمش رحمه الله تعالى يقول : نِعمَ الرب ربنا عز وجل لو أنّا أطعناه في كل ما أمرنا لأجابنا في كل ما سألناه سبحانه وتعالى
قال : وكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يوما جالسا تحت قنطرة في بلد تسمى
((مَروَ الرُّود )) ، فوقع رجل من أعلى القنطرة ؟، فقال إبراهيم : اللهم ؛ أمسكه في الهواء حتى يأتي من ينقذه من الهلاك ، قال : فوقف في الهواء حتى أتاه الناس فأنزلوه سالماً
ضرب رجلٌ من أعوان الولاة مالك بن دينار بالسوط ، فقال مالك : اللهم ؛ اقطع يده، فقطعت يد الرجل من الغد ، ومرَّ عليه وهي معلقة .قال : وكَدب رجلٌ على مطرف بن عبد الله رحمه الله تعالى ، فقال مطرِّف : اللهم ، إن كان كاذبا فأمته الساعة ، قال : فوقع الرجل ميتا في الحال ، والناس ينظرونه ، فتعلق الناس بمطرف وأخذوه إلى والي البصرة وقَصُّوا عليه القصة ، فلما سمع الوالي ذلك قال :
إن هي إلا دعوة رجل صالح صادفت منية الرجل
والحمد لله رب العالمين .
منقول من كتاب تنبيه المغترين للشعراني
مطبعة دار البشائر