يَا طالِباً مِن لَذاذاتِ الدُّنَا وَطَرا
إذا أردتَّ جميع الخَير فيكَ يُرى
المُستشارُ أمينٌ فاسمَع الخَبرا
( مالِذَّةُ العَيشِ إلا صُحبة الفُقَرا
هُم السَّلاطِينُ والسَّاداتُ والأمَرا )
قومٌ رَضُوا بيَسِيرٍ مِن مَلابسِهم
والقُوتِ لا تخطُر الدنيا بهاجِسِهم
صُدورهُم خالِياتٍ مِن وسَاوِسِهم
( فاصْحِبهُموا وتَأدَّبْ في مَجالِسِهم
وخَلِّ حَظَّكَ مهْمَا قَدَّمُوكَ وَرَا )
اسْلُك طريقَهمُ إنْ كُنتَ تابِعهُم
واتْرُك دعَاويكَ واحْذَرْ أن تراجعهم
فِيما يُريدونه واقصُد منافِعهُم
(واستغْنِم الوقتَ واحضُر دائماً معهم
واعلم بأنَّ الرِّضا يخْتَصُّ من حَضَرا )
كُنْ راضِياً بهِمُ تَسْمُ بهم وتَصِلْ
إن أثبتُوكَ أقِمْ أو إنْ مَحَوكَ فَزُل
وإنْ أجاعوكَ جُعْ و إنْ أطعَمُوك فكُلْ
( ولازِمِ الصَّمتَ إلا إن سُئِلتَ فقُلْ
لا عِلْمَ عِندي وكنْ بالجَهل مَستتِرا )
ولا تكُن لعُيوبِ الناس مُنتقِدا
وإن يَكن ظاهِرا بين الوجود بدا
وانظُرْ بعَينِ كَمَالٍ لا تُعِبْ أحَدا
( ولا تَرَ العَيبَ إلا فيكَ مُعتقِدا
عَيباً بدا بيناً لكنه اسْتترا )
تنلْ بذلِكَ ما ترجُوه من أدبٍ
والنفسُ ذَلِّلْ لهم ذلاً بلا ريب
بلْ كلُّ ذلك ذُلٌّ نابَ عن أدبٍ
( وحُطَّ رَأسكَ واستغفِر بلا سبب
وقمْ على قدَمِ الإنصَافِ مُعتذِرا )
إن شئتَ منهم بريْقاً للطريق تشمْ
عن كلِّ ما يَكرهوهُ مِن فِعالكَ ذُم
والنفسُ منكَ على حُسنِ الفِعالِ أدِم
( وإنْ بَدا منكَ عَيبٌ فاعترفْ وأقِمْ
وَجْهَ اعتذاركَ عمَّا فيكَ مِنكَ جَرى )
لهُم تملقْ وقلْ داوُوُا بصُلحِكُم
بمرْهَمِ العَفوِ مِنكمْ داء جرحِكمُ
أنا المُسيءُ هِبُوا لي مَحضَ نِصْحِكمُ
( وقلْ عُبيدكمُ أولى بصَفحِكمُ
فسَامِحُوا وخذوا بالرِّفقِ يا فقرا )
لا تخشَ مِنهم إذا أذنَبتَ هِمَّتهُم
أسنى وأعظَمُ أن تردِيكَ عِشرَتهُم
ليسوا جَبَابرة تؤذِيكَ سَطوَتهُم
( هُم بالتفضلِ أولى وهو شِيمَتهُم
فلا تخفْ دَرَكاً مِنهم ولا ضَرَرا )
إذا أردتَّ بهم تسْلُكْ طَريقَ هُدى
كنْ في الذي يَطلبُوه مِنكَ مُجتهِدا
في نور يومِكَ واحذَرْ أن تقول غداً
( وبالتغنِّي عَلى الإخوان جُدْ أبدا
حِساً ومَعنىً وغضَّ الطَّرفَ إن عَثرَا )
أصدِقهُم الحَق لا تسْتعمِل الدنَسَا
لأنهم أهْلُ صِدقٍ سادَةٌ رُؤَسَا
واسمَح لِكلِّ امْرئٍ مِنهم إليكَ أسَا
( ورَاقِبِ الشيخَ فِي أحوالِهِ فعَسى
يرى عَليكَ مِن استِحْسَانِهِ أثرَا )
وأسْألهُ دَعوَتهُ تحْظَ بدَعوَتهِ
تنَلْ بذَلكَ مَا ترجُوا ببَركَتهِ
وحسِّنْ الظنَّ واعْرفْ حَقَّ حرمَتهِ
( وقدِّمِ الجِّدَّ وانهَضْ عندَ خِدْمَتِهِ
عَسَاهُ يَرضَى وَحَاذِرْ أن تكنْ ضَجِرا )
واحْفظْ وصِيتهُ زِدْ مِن رِعَايَتِهِ
ولبِّهِ إنْ دَعَا فوراً لِسَاعَتهِ
وغضَّ صَوتكَ بالنجْوى لِطاعَتِهِ
( ففِي رضاهُ رِضَا الباري وطَاعَتِهِ
يَرضَى عليكَ فكنْ مِن تركِهَا حَذِرَا )
والزَمْ بمَنْ نفسُهُ نفْسٌ مُسَايسَة
في ذا الزَّمانِ فإنَّ النفسَ آيسة
منهُم وحِرفتهُم في الناسِ باخِسَة
( واعلم بأنَّ طريقَ القومِ دَارسَة
وحَالُ مَنْ يدَّعِيهَا اليومَ كيف ترَى )
يَحِقُّ لي إنْ نَأوْا عَني لأٌلفتهِم
ألازمُ الحزنَ ممَّا بي لِفرقَتهم
على انقِطاعي عنهُم بَعدَ صُحبتِهم
( مَتى أراهم وأنى لِي برُؤيتهم
أو تسمَعُ الأذُنُ مِني عنهُم خبَرَا )
تخلفِي مانِعِي مِن أنْ ألائِمهُم
منهُم أتيتُ فلُمنِي لسْتُ لائِمهم
يا ربِّ هَبْ لي صلاحاً كي أنَادِمُهم
( ومَن لِي وأنى لِمثلي أن يزاحِمهم
على موارِدٍ لمْ آلفْ بها كدَرا )
جَلَّتْ عن الوصْفِ أن تحصَى مآثِرهُم
على البواطِنِ قدْ دَلتْ ظواهِرهُم
بطَاعةِ الله في الدنيا مفاخرهُم
( أحِبهم وأُداريهِم وأوثرهم
بمُهجَتي وخصُوصاً مِنهمْ نفرَا )
قومٌ على الخلقِ بالطَّاعاتِ قدْ رُؤِسُوا
منهُم جَلِيسهُم الآدابَ يَقتَبسُ
ومَن تخلَّفَ عنهُم حظَّهُ التعِسُ
( قومٌ كرامُ السَّجايَا حَيثمَا جَلسُوا
يبقى المكانُ على آثارِهِم عَطِرا )
فهم بهِم لا تفارِقهُم وَزِدْ شَغَفا
وإن تخلَّفتَ عنهُم فانتحِب أسَفا
عصابةٌ بهمُ يُكسى الفتى شرَفَا
( يهدِي التصَوفُ مِن أخلاقهِم طرَفا
حُسْنُ التآلُفِ منهُم رَاقني نظرا )
جَرَرتُ بهِم ذَيلُ افتِخَاري فِي الهَوى بهِمُ
لما رضُوني عُبَيداً فِي الهَوى لَهم
وحقهم في هواهم لستُ أنسهمُ
( هُم أهلُ وُدِّي وأحبابي الذينَ همُ
مِمنْ يَجرُّ ذُيول العِز مُفتخرا )
قطَعتُ فِي النظمِ قلبِي فِي الهَوى قطعا
وقد توسلتُ للمَولى بهم طَمعا
أن يغفِرَ الله لِي والمسلمين معا
( لا زالَ شَمْلي بهم في الله مُجتمِعا
وذنبُنا فيهِ مغفورا ومغتفرا )
يا كلَّ مَن ضَمَّه النادِي بمَجلِسنا
ادعُ الإله بهِم يمحو الذنوبَ لنا
وادعُ لِمنْ خَمّسَ الأصْلَ الذي حَسُنا
( ثمَّ الصَّلاةُ على المُختارِ سَيدِنا
مُحَمدِ خيرُ مَن أوفى ومَن نذرَا )