:)
· الانشاد والسماع عند السلف رضي الله عنهم
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه :
وأما المغيرة بن شعبة فقد حكى سماع الغناء عنه أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه (قوت القلوب) والشيخ تاج الدين الفزاري وغيرهما.
عامر الشعبي رحمه الله تعالى:
وهو من أكابر التابعين علما وعملا وقد حكى عنه الأستاذ أبو منصور أنه كان يقسم الأصوات إلى الثقيل الأول والى الثقيل الثاني وما بعدها من المراتب.
عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى :
وهو من أكابر التابعين وهو مع علمه وعبادته وزهده ومعرفته بالسنن والآثار فقد قال عنه الأستاذ أبو منصور: إنه كان يقسم الأصوات إلى الثقيل الأول والى الثقيل الثاني وما بعدهما من المراتب ونقل ابن قتيبة أن عطاء بن أبي رباح ختن ولده وعنده الأبجر يغني فكان إذا سكت وإذا لحن رد عليه.
عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى:
قال ابن قتيبة : سئل إسحاق عنه فقال: ما طن في سمعه شيء بعد أن أفضت إليه الخلافة وأما قبلها فكان يسمع من جواريه خاصة ولا يظهر عنه إلا الجميل وربما صفق بيده وتمرغ على فراشه طربا وضرب برجليه.
عبدالله بن جريج رحمه الله تعالى:
وهو من العلماء والحفاظ العباد المجمع على عدالته وجلالته وكان يسمع الغناء ويعرف الألحان وحكى عنه الأستاذ أبو منصور أنه كان يصوغ الألحان ويميز البسيط والنشيد والخفيف.
وقال ابن قتيبة : حُكي عن ابن جريج أنه كان يروح إلى الجمعة فيمر على مغن فيدق بابه عليه فيخرج فيجلس معه على الطريق ويقول: غن فيغنيه أصواتا فتسيل دموعه على لحيته ثم يقول: (إن من الغناء لما يذكر الجنة)([80]).
أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى:
حكى ابن قتيبة عنه وغيره: أنه كان له جار كل ليلة يغني ويقول شعرا:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
وكان يستمع إليه وإنه فقد صوته فسأل عنه فقيل له: إنه وجد بالليل وسجن في سجن عيسى الأمير فلبس عمامته وتوجه إلى الأمير وتحدث معه فقال: لا أعرف اسمه فقال أبو حنيفة رضي الله عنه اسمه عمرو فقال الأمير: أطلقوا كل من اسمه عمرو فأطلق الرجل فلما خرج قال له أبو حنيفة رحمه الله تعالى : أضعناك يا فتى؟ قال بل حفظت فتضمنت هذه الحكاية أنه كان يستمع إليه ولم ينهه عن الغناء.
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
قال الغزالي رحمه الله تعالى : ليس تحريم الغناء من مذهبه وحكى عنه الأستاذ أبو منصور البغدادي أن مذهبه إباحة السماع بالقول والألحان إذا سمعه من رجل أو جارية أو امرأة يحل له النظر اليها في داره أو دار صديقه ولم يسمعه على قارعة الطريق ولم يقترن بشيء من المنكر ولم يضع الصلاة عن وقتها ولم يضيع بشهادة لزمه أداؤها([81]).
الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
قال أبو الوفاء بن عقيل في كتابه المسمى (بالفصول) صحت الرواية عن أحمد أنه سمع الغناء عند ابنه صالح وقال شارح المقنع روي عن أحمد أنه سمع قوالا فلم ينكره فقال له ابنه: يا أبت كنت تكرهه فقال قيل إنهم يستعملون المنكر معه!!.. وقد قال ابن الجوزي إنه يحمل قوله وفعله على ما كان يغنى له في زمنه من القصائد الزهديات.
وسأل الإمام أحمد رجل فقال: يا أبا عبدالله هذه القصائد الرقاق التي في ذكر الجنة والنار أي شيء تقول فيها؟ فقال مثل أي شيء؟ قال يقولون:
إذا ما قال لي ربي
أما استحيت تعصيني
وتخفي الذنب عن خلقي
وبالعصيان تأتيني
فقال: فدخل بيته ورد الباب فسمعت نحيبه من داخل البيت يردده وهو يقول هذه الأشعار.
سفيان بن الحارث رحمه الله تعالى:
حكى عنه تلميذه الفقيه العالم الحافظ الزبير بن بكار في الموفقيات والماوردي في الحاوي: أنه لما قدم ابن جامع مكة بمال جم قال سفيان لأصحابه علام يعطى ابن جامع هذه الأموال؟ قالوا على الغناء قال: ما يقولون فيه؟ قالوا يقول شعرا:
أطوف بالبيت مع من يطوف
وأرفع من مئزري المسبل
قال هي السنة ثم ماذا فقالوا: يقول شعرا:
وأسجد بالليل حتى الصباح
وأتلو من المحكم المنزل
قال: أحسن وأصلح ثم ماذا؟ فقالوا: يقول شعرا:
عسى فارج الهم عن يوسف
يسخر لي ربة المحمل
قال: أفسد الحبيب ما أصلح سخرها الله له.
الإمام ابن مجاهد رحمه الله تعالى:
قال أبو طالب المكي رحمه الله تعالى في كتابه (قوت القلوب) كان ابن مجاهد لا يجيب دعوة إلا أن يكون فيها سماع([82]).
فها هو ذا سماع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين والسلف الصالح وهو كما رأينا سماع هادف لنوع مخصص من الغناء والنشيد والحداء إنه غناء يحي في النفس جذوة الإيمان ويوقظ في العقل قبس الفكر أو هو من اللهو المباح الذي يروح به عن النفس في ساعة الضيق ولكن دون الخروج عن قانون الشريعة الإسلامية أو تخط لحدود الشارع سبحانه وتعالى .
والغناء الإسلامي الهادف: أحد الفنون الإنسانية التي يلجأ اليها الإنسان يروي بها ظمأ روحه العطشى إلى السكينة والأمان وقد يلوي عليها ليثبت في نفسه جوا من الفرح والسرور والأنس والطرب.
وقد نظر الإسلام إلى الحياة نظرة جادة فاعلة خلاقة منشئة وجعل من كل مخلوقات الله ما هو مسخر لهذا الهدف النبيل والوجود الأمثل الذي خلق المسلم من أجله. والغناء أحد هذه الأمور التي أراد لها الإسلام أن تكون هادفة مسخرة لقوى المسلم في خصم صراعاته مع الحياة والناس.
ولقد عُني بعض من شعراء الدعوة الإسلامية بنظم قصائد مغناة وأناشيد هادفة تعبر خير تعبير عن الغناء الإسلامي الهادف والذي رما إليه الإسلام ولعل أشهر أنواع هذا الغناء الإسلامي الهادف:
1- النشيد الديني:
وهو الذي فيه ذكر الله ووصف الجنة والنار وحب الله ورسوله والتعشق لوصالهم والحظوة بقربهم ولعل (الموالد النبوية) زاخرة بمثل هذه الأمور التي يكثر ذكرها والتغني بها ومثاله قول الشاعر في قصيدة بعنوان: (رحماك):
رحماك يا رب العباد رجائي
ورضاك قصدي فاستجب لدعائي
وحماك أبغي يا إلهي ضارعا
منك الرضا فجد بولائي
ناديت باسمك يا إلهي ضارعا
إن لم تجبني فمن يجيب دعائي
أنت الكريم فلا تدعني تائها
فلقد عييت من العباد النائي
مالي سوى أعتاب جودك موئلٌ
فلئن رددت فمن سواك رجائي
ولقد رجوتك يا إلهي ضارعا
متذللا أن لا ترد رجائي
ومنه كذلك هذه القصيدة بعنوان (إلهنا ما أعدلك):
إلهنا ما أعدلك
مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك
لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
والليل لما أن حلك
والسابحات في الفلك
على مجاري المنسلك
ما خاب عبد أملك
أنت له حيث سلك
لولاك يا رب هلك
كل نبي وملك
يا مخطئا ما أغفلك
عجل وبادر أجلك
واختم بخير عملك
لبيك إن الملك لك
والحمد والنعمة لك
والعز لا شريك لك
2-
نشيد الحب والمنأجاة:
وفي هذا النشيد نلمح الحب المطلق ذلك الذي يتجاوز كل شيء إنه حب لا محدود حب الله ورسوله وملائكته وخلقه وبديع صنعه ذلك الحب الذي يتخذ في بعض الأحيان أشكالا رمزية تعطي الألفاظ مدلولات أشمل وأرحب.
ولعل أجمل ما في هذه الأناشيد هو ذلك الحب المثالي حب المطلق (الله جل جلاله) الذي يعشقه الشاعر فيسبغ على محبته ألفاظا رقيقة ومعان عذبة فتارة هو ليلى ومرة سعدى ولعل رابعة العدوية وتحفة الزاهدة وابن الفارض والحلاج ... وغيرهم خير ممثل لهذا الاتجاه الرمزي الصوفي العميق الذي بلغ شأنا عظيما ومدرسة مستقلة بذاتها.
ومثاله قول الشاعر:
فما المنازل لولا أن تحل بها
وما الديار وما الأطلال والخيم
لولاك ما شاقني ربع ولا طلل
ولا سعت بي إلى نحو الحمى قدم
في كل جارحة عين أراك بها
مني وفي كل عضو للثناء فم
فإن تكلمت لم أنطق بغيركم
وإن سكت فشغلي عنكم بكم
إن مت في حبكم شوقا فيا شرفي
ويا سروري من موتي لكم بكم
أنا المقر بذنبي فاصفحوا كرما
فبانكساري وذلي قد أتيتكم
لا تطردوني فإني قد عرفت بكم
وصرت بين الورى أدعى بعبدكم