:D
3- النشيد النبوي:
وهو النشيد الذي فيه ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة ومعجزاته وحب الصحابة والمؤمنين له ووصفه عليه الصلاة والسلام كاملا من ناحية خَلْقية وخُلُقية وتشوق المؤمنين لرؤيته وورود الحوض معه يوم القيامة ثم العيش معه في جنة الخلد ولعل أكثر الموالد النبوية هي التي تأخذ بهذا الشأن الذي يكثر من حب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والحديث عنه بشوق وهيام.
ومنه قول الشاعر في قصيدة بعنوان : (ناشر الإيمان):
ناشر الإيمان مبعوث السما
بهر الدنيا وعز البشر
يا رسول الله المجد يا فخر الحمى
قد تنادى الناس حيرى تنظر
أيها المرسل للكون بما
فيه خير وجمال عطر
أنت مصباح ينير الظلما
حجبته قدرة تستتر
مرسل أرسله رب الأنام
ونبي لم يلاق الوهنا
ينشر الرحمة في قوم نيام
نغما يحمل طيبا ومنى
مر يا ذكرى علينا كلما
ضاقت النفس وجل الخطر
إننا نشتاق ذاك النغما
وينادينا إليه القدر
4- نشيد الحكمة والموعظة:
وهو نوع من الشعر ينطلق صاحبه بموعظة إسلامية أو حكمة بالغة مستقاة إما من صميم شريعتنا أو من وحي تجارب الحياة وصراعاتها وهو شعر كثير على أن أكثر المنشدين يعرضون عنه لخلوه من العنصر الموسيقي في معظم الأحيان ومثاله قول الشاعر في قصيدة مليئة بالرضى والطمأنينة والحكمة وهي بعنوان (علمتني الحياة):
علمتني الحياة أن أتلقى
كل ألوانها رضا وقبولا
ورأيت الرضا يخفف أثقا
لي ويلقي على المآسي سدولا
وأنا راض بكل ما كتب الله
ومزج إليه حمدا جزيلا
لست اخشى من اللئيم اذاه
لا ولن أسأل النبيل قتيلا
في فؤادي لكل ضيق مكان
فكن الضيف مؤنسا أو ثقيلا
علمتني الحياة أن لها طعـ
ـمين مرا وسائغا معسولا
قد تسري الياة عني فتبدي
سخريات الورى قبيلا قبيلا
فأراها موعظا ودورسا
ويراها سواي خطبا جليلا
أمعن الناس في مخادع النفـ
ـس وضلوا بصائرا وعقولا
عبدوا الجاه والنضار وعينا
من عيون المها وخدا أسيلا
علمتني الحياة أني إن شعـ
ـت لنفسي أعش حقيرا هزيلا
علمتني الحياة أني مهما
أتعلم فلا ازال جهولا
· القرآن وأثر البالغ في النفوس:
القرآن وأثره البالغ في نفوس المؤمنين : نزل القرآن على العرب الفصحاء فأثر فيهم وترك آثارا لا زالت إلى اليوم وستبقى إلى يوم الدين على أن المسلمين الأول وعوا معاني القرآن من صميم كلماته فكان تأثيره اكبر في نفوسهم وسماعه أعذب في آذانهم ومما يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع قارئا يقرأ ﴿والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع﴾([83]) فارتكن إلى جدار ثم عاد إلى بيته يعوده الناس شهرا كاملا.
هكذا سمع الصحابة سماع الله سبحانه وتعالى فكان أن هيمنوا على العالم القديم بكل كيانه ونفوذه هذا القرآن العظيم هو كلام الله الأزلي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهيهات أن يأتي بمثله بشر أو أي مخلوق كان.
ولقد تحدى القرآن المشركين والمعاندين على أن يأتوا بقرآن مثله تحداهم مرة أن يأتوا بمثله كاملا فقال: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾([84]).
ثم تحداهم بما هو أيسر من هذا (أن يأتوا بعشر سور) فقال: ﴿أم يقولون افتراه ، قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾([85]).
ثم سهل لهم المهمة أكثر من ذلك بكثير ليظهر لهم عجزهم فقال: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين﴾([86]).
لقد سحر القرآن العرب من اول يوم سمعته آذانهم حتى إن المشركين أنفسهم كانوا يتناصحون فيما بينهم بعد سماعه كيلا يسحرهم ويؤثر فيهم.
وما قصة الوليد بن المغيرة إلا شاهدا حيا على عظمة القرآن وروعة كلماته وعظمتها فعندما سمع الوليد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من القرآن أصغى بكل كيانه فإذا به يتيه في بلاغته فقالت قريش: صبأ والله الوليد ولتصبون قريش كلها فأرسلوا إليه أبا جهل يثير كبرياءه واعتزازه بنسبه وماله ويطلب إليه ان يقول في القرآن قولا يعلم به قومه أنه له كاره قال فماذا أقول فيه؟ فو الله ما منكم رجل أعلم مني بالشعر ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى عليه وإن أعلاه لمثمر وأسفله لمغدق فقال أبو جهل : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني أفكر فيه فلما فكر قال: إن هذا السحر يؤثر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه([87]).
هكذا وعى الأقدمون القرآن فهموا معانيه وتشربوا أحكامه واليوم صار القرآن وقفا على الموتى وشفير القبور فما عدنا نسمع الآيات تتلى إلا إذا أممنا دارا فيها مأتم أو شيعنا جنازة إلى قبرها عند ذلك نسمع القرآن هكذا صار القرآن يتلى على الأموات في حين أنه بعث للأحياء ﴿لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين﴾([88]).
هذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في رواية: (فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت فدخلت الإسلام ) ويقال عنه في رواية أنه قال: (ما أحسن هذا الكلام وأكرمه).
ثم هذا القرآن يصف لنا أثره في نفوس المؤمنين به وكذلك نفوس الذين أوتوا العلم من قبله يقول: ﴿تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ﴾([89]) ﴿إن الذين أوتوا العلم من قبله وإذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا﴾([90]) .
لقد اشتركت المعاني والألفاظ في القرآن لتجعل منه منهاج شريعة المسلمين وحديثهم في حلهم وترحالهم وفي ليلهم ونهارهم في جدهم وهزلهم وإذ هو يحكم في كل قضاياهم المصيرية والعادية على السواء.
(أما طريقته في ذلك فكانت هي الطريقة العامة طريقة التصوير والتشخيص التخييل والتجسيم في هذا المنطق اشتركت الألفاظ المعبرة والتعبيرات المصورة والصور الشاخصة والمشاهد الناطقة والقصص الكثيرة... وكل ما عرض من مشاهد القيامة وصور النعيم والعذاب يعد في جملة هذا المنطق الذي يلمس الحس ويوقظ الخيال فيلمس البصيرة ويوقظ الوجدان ويهيء النفس للاقتناع والإذعان)([91]).
هذا هو القرآن الذي ينبغي علينا أن نلبسه حلة الخلود في نفوسنا وضمائرنا وأسماعنا لأنه الكتاب الخالد في أحاسيسنا ويجب أن يبقى كذلك لأنه تنزيل من عزيز حميد.
وهل هناك من غناء أو كلام هو أفضل في مقياس الجمال من كلام الله سبحانه وتعالى هذا هو كلام الخالق وإنه لكلام رائع باهر يحي في النفس صور الحياة المثلى ليعبر بها إلى دار الخلود.
هل تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشعر
من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نشأ في بيئة بني سعد موطن الفصاحة والبلاغة ولكن لم تذكر لنا كتب التاريخ والأدب انه قال شعرا قبل النبوة ولا نظمه بعد النبوة كالشعراء علما انه كان أفصح بني آدم كما تحدث بذلك هو عن نفسه حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم «أنا أعربكم أنا من قريش ولساني لسان بني سعد بن بكر»([92]).
وتتجلى حكمة منعه صلى الله عليه وآله وسلم من القول بالشعر كما قال تعالى ﴿وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين﴾([93]) ، حكمة ذلك لما كان الله قد ادخر من جعل فصاحة القرآن معجزة له ودلالة على صدقه لما هو عليه من أسلوب البلاغة وعجيب الفصاحة الخارجة عن أنواع كلام العرب البلغاء الفصح المتشدقين كما سلب عنه الكتابة وأبقاه على حكم الأمية تحقيقا لهذه الحالة وتأكيدا لها وذلك قوله تعالى ﴿وما ينبغي له ﴾ لأجل معجزته والتي صفتها من صفته ثم هي زيادة عظمى على علو مرتبته([94]).
وقد اختلف في جواز تمثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الشعر وإنشاده حاكيا عن غيره فالصحيح جوازه.
وقد روي عن شريح عن أبيه قلت لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل من شعر ابن رواحة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود([95]).
وأما ما وقع منه في غزوة حنين (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب)([96]) فقد وقع منظوما من غير قصد منه إلى ذلك.
وروي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبني المسجد وعبدالله بن رواحة يقول: أفلح من يعالج المساجد فيقولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول ابن رواحة : يتلو القرآن قائما وقاعدا فيقولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي هذا وفي غيره يؤيد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يجوز له أن يحكي الشعر عن ناظمه([97]).
وأنشد يوما وقد قيل له من أشعر الناس فقال: (الذي يقول:
ألم ترياني كلما جئت طارقا
وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
وأنشد يوما حينما جاءه العباس بن مرداس قال له : أأنت القائل:
أتجعل نهبي ونهب العبيد
يد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (هما واحد) فقال أبو بكر: أشهد أنك كما قال الله ﴿وما علمناه الشعر وما ينبغي له﴾([98]).([99])
وإصابته للوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر وكذلك يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في وزن كقوله يوم حنين وغيره:
هل أنت إلا أصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت([100])
قال الإمام القرطبي تعليقا على تلك الأبيات التي أوردناها : ولا نلزم منه ان يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عالما بالشعر ولا شاعرا إن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره لا يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر ولا يسمى شاعرا باتفاق العلماء كما أن من خاط خيطا لا يكون خياطا قال أبو إسحاق الزجاج معنى ﴿وما علمناه الشعر ﴾ أي : وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعرا وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في هذا.